الأحد، مايو 13، 2012

قصص الناجحين




قصص الناجحين
وقديمًا قيل بأن "النجاح ليس هبةً للجميع". والمقصود بذلك أن ظروف الحياة ومتطلبات العيش فيها تقتضيان وجود صعوبات ومشاق، والذين ينجحون فيها هم أولئك الذين يُحسنون فهم الحياة ويعرفون كيف يحلّون مشكلاتهم ويتغلّبون على العوائق التي تواجههم.
على أن فهم الحياة ومتغيراتها ليس أمرًا هيّنًا، وليس متاحًا لأيّ أحد مهما بلغ من إحراز درجات عالية من الشهادات العلمية أو تحصيل قدر من المعرفة؛ فأغلب الذين يدّعون أنهم أكثرنا فهمًا للحياة يقعون في شراك فهمهم لأنهم ببساطة لم ينتبهوا إلى وجود فهم آخر يختلف عن طريقتهم. إن المعرفة والذكاء والخبرة ليست إلا وسائط يمكنها أن تُساعد في الوصول إلى الحكمة التي تعد مهارة عقلية عليا تساعد المرء على فهم الحياة بطريقة سليمة.
وتحت عنوان "الدنيا تضحك للأذكياء"، تروى حكاية من الأدب الفارسي، أن رجلا يقيم في قرية وله مزرعة بعيدة عنها، فيصحو باكرًا ويذهب إلى مزرعته ليعمل في الحقل ولا يعود إلا قرب غروب الشمس. يخرج من بيته وقد أفطر مع أسرته وابتسم لهم، ويعود في المساء محمّلا بما يستطيع حمله من خيرات المزرعة. وقد عاش

 سعيدًا مع أهله، وعُرف عنه الكرم والسخاء ومساعدة المحتاجين وبذل الخير للجميع. وله أخ أكبر منه يعيش في قرية أخرى، وقد كان هذا الأخ الأكبر في بداية عمره ذا مال من تركة والده، ولما نفد المال الذي بين يديه، عاش على صدقات الناس. وقد برم من ضنك العيش، ففكر أن يذهب لكي يعمل مثل عمل أخيه الذي ملأت سمعته البلاد. وبالفعل سافر إلى قرية أخيه، وجلس عنده فترة، ثم سأله أن يعمل معه في الحقل، فرحّب الأخ بذلك، وطلب منه أن يرافقه في الصباح الباكر إلى المزرعة. فتكاسل الأخ الأكبر أن يصحو باكرًا، وطلب أن يصف له مكان المزرعة وسوف يصل إليها في الضحى. فوصف له الأخ المكان وشرح له وجود آبار وحفر ومستنقعات وأشجار وتلال في الطريق الفاصل بين المزرعة والبيت وذكر له وجود بعض السباع والأفاعي لكي يأخذ حذره منها حينما يأتي إلى الزراعة. وحينما جاء الضحى استيقظ الأخ الأكبر وذهب إلى مزرعة أخيه حسب الوصف الذي سمعه. وفي الطريق وجد قدميه تغوصان في الرمل، فتذكّر أن عليه أن يمشي بعيدًا عن الرمال، وأثناء ابتعاده عن الرمل لصقت قدماه في وحْل وانزلق على الأرض وسقط مرارًا وتوسخت ثيابه، ولمّا ابتعد قليلا عن منطقة الوحل صادف أمامه بئرًا تحيط بها أشجار شوكية لا يستطيع أن يتجاوزها، ففكر أن يعتلي الجدار ولكنه رأى كلبًا ينبح أمامه، وخاف أن يهجم عليه، فقرر أن يعود أدراجه إلى المنزل بعد أن وجد صعوبة فائقة في الذهاب إلى المزرعة التي لا يزال في بداية الطريق نحوها. ولأن ثوبه متّسخ، أراد أن يغسله من مستنقع قريب، وأثناء اقترابه منه هجمت عليه أفعى، فسقط من شدة الهلع ثم قام وسقط مرارًا حتى اندقّت وركه وتألمت ولم يستطع حراكًا سوى إبقاء عينيه مفتوحتين لمراقبة الأفعى لكي لا تهجم عليه، وظل يعوي في مكانه حتى غربت الشمس وحينما عاد أخوه من المزرعة كعادته، وجد الأخ الأكبر في هذه الحال التعيسة التي هو عليها. وسأله عن الأمر، فرد الأخ الأكبر: لا أريد مزرعة ولا حياة، أريد أن أعود شحاذًا حيث كنت، فهذه الحياة صعبة ومرهقة ومؤلمة ولا أستطيع أن أتحمّلها. فرد عليه الأخ الأصغر بقوله: "بقليل من الكلام وبكثير من الصبر تبني لنفسك قوّة تتغلب فيها على متاعب الحياة؛ فتصبح حياتك جميلة".
والحكاية السابقة من الحكايات الأخلاقية التي يزخر بها الأدب الفارسي القديم، وواضح أنها تسعى إلى تقديم عبرة مفادها أن الأخ السعيد في حياته هو سعيدٌ ليس لأن السعادة سقطت عليه من السماء، بل لأنه بحث عنها وبذل جهدًا في تحصيلها واكتسب مهارة في التغلب على الصعوبات التي تواجهه في سبيل الوصول إليها. فهذان أخوان أحدهما استثمر تركة والده في شراء مزرعة واستثمارها، والآخر الموصوف بأنه الأكبر، ركن إلى الكسل والخوف من العمل؛ فنفد المال الذي لديه، وانتهى إلى حياة الشقاء والتعاسة.
وإذا اعتبرنا أن الحكاية ذات عناصر رمزية، فإن المزرعة ترمز للسعادة التي نحصّاها ونجعلها في منازلنا، والطريق هو الحياة بما فيها من مصاعب؛ بعضها من مصادر الطبيعة كالمنحدرات والمرتفعات والأشجار، وبعضها من البشر كالآبار والمستنقعات؛ وبعضها من العوارض غير المتوقعة كالأفاعي والسباع..إلخ. وقد كان الأخ الأصغر ماهرًا في استخدام الطرق المناسبة لكل مشكلة، فقد يرمي للكلب عظمًا لكي لا يهاجمه، ويلتف على الشجرة، ويتجنّب البئر ويسير بعيدًا عن المناطق الموحلة، وربما يستعين بدابّة لتجاوز الرمال..إلخ. ولكنه لم يطالب بسحق كل تلك العوائق وتسوية الطريق أمامه، بل تغلّب عليها بمهارته مستخدمًا ذكاءه الذي ساعده على توظيف قدراته في التعامل مع تلك الصعوبات ببساطة.
ولعل المكونات المذكورة للمعوقات في الحكاية هي نماذج للمشكلات التي نواجهها في الحياة وتقف عائقًا أمامنا في تحقيق السعادة المنشودة. فثمة مشكلات لا دخل لنا فيها لأنها من مصادر خارجية، وأخرى لها علاقة بالموارد المالية والمصاريف، وأخرى لها صلة بالناس وبعلاقتنا معهم؛ وهناك مشكلات لها علاقة بالأسرة والأطفال..إلخ؛ ولكن الحكيم –بصرف النظر عن عمره وعن ماله- هو الذي يستطيع أن يسخّر تلك الصعوبات لصالحه ويتغلب عليها باكتساب مهارات مختلفة كما تغلب الرجل على صعوبات الطريق ولم يشعر بها وعاش حياته سعيدًا.
نقلا عن "الرياض" السعودية

هناك 18 تعليقًا:

  1. احببت هذه القصة جدا
    القصة واقعية وتشجع على الصبر والتفكير الجيد
    شكرا استاذ محمد

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدني جدا حضورك المتميز وتعقيبك الرائع
      شكرا لك Hanadi

      حذف
  2. القصة رائعة
    شكرا استاذى الفاضل
    تحياتى لحضرتك

    ردحذف
    الردود
    1. و الشكر موصول لك على مرورك الطيب و ردك المعبر

      حذف
  3. "الحكيم هو الذي يستطيع أن يسخّر تلك الصعوبات لصالحه ويتغلب عليها باكتساب مهارات مختلفة"....
    حكمة راثعة من قصة اصابت الهدف ...
    فكم من حامل للشهادات وعاجز عن النجاح والتقدم في الحياة ...
    وقديما قيل " الفهم فضَلوه عن العلم "....
    "الذين ينجحون فيها هم أولئك الذين يُحسنون فهم الحياة"
    جزيل الشكر لك استاذي

    ردحذف
    الردود
    1. و الشكر موصول لك على مرورك الطيب و ردك المعبر
      لا حرمنا ردودك الطيبة ornina

      حذف
  4. نعم المتعلم والحكيم لا يتساويان فالحكيم اعلي منزله من المتعلم..وليس كل متعلم حكيم...العلم نصل اليه بالدراسه والاطلاع والمثابره والبحث ولكن الحكمه تحتاج الي عده امور مشتركه منهاالعلم والرائي السديد والتجربه ورحابه الصدر وحسن الخلق والتاني وضبط النفس..والانسان الحكيم من يستطيع ايجاد حلول لمسببات كل عراقيل الحياه..وقيل بان قواعد الحكمه هي::1.الزهد في الحياه. 2.الابتعاد عن الشهوات.
    3.العصمه. 4.الحلم.
    5.الصمت . 6.غض البصر.
    7.حفظ اللسان. 8.اجاعه البطن.
    9.مقاومه الشيطان. 10.التبصر في عيوب النفس.
    11.استعمال الرفق. 12.صدق الحديث.
    13.اداء الامانه 14.ترك مالا يعني.
    15.التواضع. 16.الاخلاق الصالحه.
    والسؤال هنا يااستاذي الفاضل هل كل من عمل بهذه القواعد وطبقها يصبح حكيما ..وهل الحكمه تولد بالفطره دون تعلم..؟؟؟؟؟؟.فاحينا نقابل او نصادف اشخاص في حياتنا رغم صغر سنهم ومحدوديه علمهم الا انهم حكيمين بردود افعالهم وتصرفاتهم تجاه بعض المواقف.

    ردحذف
  5. قال تعالى:
    يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ }
    أن الحكمة قد تكون غريزة؛ وقد تكون مكتسبة؛ بمعنى أن الإنسان قد يحصل له مع المران ومخالطة الناس من الحكمة وحسن التصرف ما لا يحصل له لو كان منعزلاً عن الناس.
    فالحكمة قد تأتي من قبل الله عز وجل ، أو من قبل الممارسة والتجارب.
    جزاك الله كل خير على التعليق و المرور الكريم

    ردحذف
  6. جزاك الله خيرا على هذه القصة فقد استفدنا كثيرا !!!

    ردحذف
    الردود
    1. و جزيت خيرا مثله و بارك الله فيك أخي ابن الشاطئ

      حذف
  7. كيف اكون ناجحا وحكيما رغم ضغوط الحياه .

    ردحذف
    الردود
    1. ممكن جداً التخفيف من الضغوط بتنظيم الوقت
      و حسن إدارة الذات
      من أراد استطاع و الله ولي التوفيق

      حذف
  8. بارك الله فبكم على هذه القصة و ان شاء الله نستفيد من العبر ..

    ردحذف
  9. و فيك بارك الله و نفع
    شكرا أسماء على ردك الكريم

    ردحذف
  10. أعتقد ذاستاذي أن الحكمة درجة أسمى لا نفهمها إلا حين نتيقن من أن العلم وحده لا يكفي و الاتكال على النفس في التخطيط لكل شيء غير دي جدوى دون ألم نقص الحيلة و العوز إلى نور إلهي يمنح القوة على الصبر و المثابرة و الاستمرار
    شكرا على القصة المحفزة

    ردحذف
    الردود
    1. و الشكر موصول لك Ismael على التعقيب المميز
      تحياتي

      حذف
  11. باركم الله فيكم لقد استفدت جدا

    ردحذف
  12. .chokran jazilan, al9issa mohaffiza 3ala mojabahat si3ab lhayat

    ردحذف