د.
جاسم المطوع
دخل
عليّ رجل يشتكي من سرقة سيارته،
وعلمت
بعد ذلك أن لديه سبعة أطفال عميان لا يبصرون
، وهذه
القصة التي سأرويها لكم ما زلت أتذكرها على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاما
عليها
.
عندما
كنت وكيلا للنيابة العامة في بداية عملي في سلك القضاء
، دخل
مكتبي رجل كبير السن وعلامات الحزن ظاهرة عليه
، وهو
يروي لي حادثة سرقة ماله وسيارته
.
قال:
إني عملت خلال السنتين الماضيتين لجمع ألفي دينار لعلاج عيون اثنين من
أبنائي
، وقد
سمعت عن طبيب جيد خططت أن أسافر له اليوم لإجراء العملية الجراحية بهذا
المبلغ
، وقد
تركت المبلغ الذي جمعته لهما في السيارة
، إلا
أنها سرقت في صباح هذا اليوم فضاع كل جهدي وتعبي
.
وكنت
أستمع له بإنصات
، وأنا
أقول في نفسي "سبحان الله ما هذا الابتلاء العائلي"
، فأحببت
أن أخفف عنه مصابه فقلت له مسليا
: لو
كشف الله لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع
.
فشعرت
من قسمات وجهه أنه لم يعجبه كلامي
، ولكني
مارست عملي ، ثم ودعته ، وانتهى الأمر.
وبعد
أسبوع من الحادثة اتصل بي رجال المباحث
وأبلغوني
أنهم وجدوا السيارة المسروقة في الصحراء
وليس
فيها وقود
، فقالوا
ربما سرقها صبيان صغار للتسلية بها
، ولما
انتهى الوقود تركوها بالصحراء.
فقلت
لهم المهم افتحوا درج السيارة وابحثوا لي عن المبلغ الذي تركه
، فأخبروني
أنهم وجدوا ألفي دينار.
ففرحت
كثيرا بهذا الخبر وطلبت منهم أن يحضروا السيارة والمبلغ
، ودعوت
الرجل صاحب الشكوى وأنا سعيد
، لأني
سأسعده بالخبر وأساعده على استكمال عملية ابنيه ليبصرا من العمى .
فلما
دخل علي استقبلته بقولي:
يا
عم عندي لك مفاجأة وبشارة.
فرد
عليّ بنفس الأسلوب والطريقة
، وقال:
وأنا عندي لك مفاجأة وبشارة.
فتوقفت
قليلا وقلت في نفسي لعل رجال المباحث أبلغوه بالخبر
، ولكني
أوصيتهم ألا يخبروه
، فقلت
له وأنا على يقين أنه لا يعرف أننا وجدنا السيارة والمبلغ
أخبرني
ما هي مفاجأتك؟
فقال:
أنت أخبرني أولا ما هي بشارتك؟
فقلت:
أبشرك أننا وجدنا السيارة سليمة ، وكذلك وجدنا فيها الألفي دينار في المكان الذي
وصفته لنا فلم يذهب تعبك سدى.
وكنت
أقول الخبر وأنا مبتسم وفرحان وأراقب ردة فعله
، فكان
يستمع للخبر وكأنه أمر عادي ولم يتأثر به كثيرا
، فقلت
في نفسي (الله يستر) ربما حدث شيء لأطفاله
، ثم
تمالكت نفسي وقلت له : والآن جاء دورك فأخبرني ما هي بشارتك؟
فقال
لي: هل تذكر ما هي الكلمة التي قلتها لي؟
قلت:
نعم.
فقال:
رددها مرة أخرى.
فقلت
: (لو كشف لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع).
فقال:
ماذا تعني؟
قلت:
إن الله تعالى يقدر الابتلاء للإنسان بما فيه مصلحته ، ولكن الإنسان أحيانا يعترض
على القضاء
ولا
يعلم أن ما قدره الله تعالى فيه خير له ، فلو قدر الله لك أمرا تكرهه ثم كشف لك
الغيب ، وقال لك يا عبدي اختر أنت أي قضاء تريده أن أقضيه عليك ، فإذا اطلعت على
جميع الاحتمالات فإنك ستختار ما اختاره الله لك من قضاء وقدر ، وهذا معنى (ما اخترت
إلا الواقع).
فابتسم
وقال: نعم كلامك صحيح مائة بالمائة ونعم بالله ، فالله لا يختار لعبده إلا
الخير.
فقلت
له: وما هي بشارتك؟
فقال:
أبشرك أن الطفلين اللذين جمعت من أجلهما المال قد صارا بعد يومين من حادثة السرقة
يبصران كما لو لم يكن بهما شيء ، فقد أبصرا وكأننا عملنا لهما
العملية.
فقلت
له: سبحان الله فانظر إلى الحكمة من قدر الله ولطفه لك ، فقد أخذ الله منك سيارتك
ومالك الذي جمعته من أجل علاجهما ، ثم رد على طفليك بصرهما وبعدها رد عليك سيارتك
ومالك ، أي نعمة أعظم من هذه!
فقال:
الحمد لله ، ولكن الإنسان عجول ودائما
معترض على قدر الله.
فقلت
له: نعم (لو كشف لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع).
فابتسم
وانتهى اللقاء
، ولكنه
درس لن أنساه
.
|
قصة فيها عبرة
ردحذفالخير فيما اختاره الله تعالى..
شكرا استاذي
و الشكر موصول لك على مرورك الطيب و ردك المعبر
حذفالحمد لله دوما وابدا
ردحذفشكرا استاذ محمد
و الشكر موصول لك Hanadi
حذفعلى مرورك الطيب و ردك المعبر
>>>>لو كشف لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع>>>>>
ردحذفولكن الإنسان عجول ودائما معترض على قدر الله.....
فلنعتبر من هذه القصة الرائعة ...
شكرا لك استاذي
و الشكر موصول لكornina
حذفعلى مرورك الطيب و ردك المعبر