جاء في حكمة قديمة: «كما تزرعون تحصدون»، فما يزرعه الإنسان يحصده، إن
خيراً فخير، وإن شراً فشر، والعياذ بالله، حدثت قصتان والزمن بينهما أكثر من مائة
عام، لكن الرابط بينهما واحد، هو فعل الخير، ففعل الخير لا يتغير بتغير الزمان
والمكان، الأولى حدثت في القرن الماضي، والثانية في القرن الحالي، ومع القصة
الأولى:
كان حفل قد أقامته نقابة الأطباء في
إنجلترا عام 1920 لتخرج دفعة من أطباء جدد، فقد ضم الحفل رئيس الوزراء البريطاني
في ذلك الحين، وتقدم نقيب الأطباء بإلقاء النصائح الواجبة للخريجين الجدد؛ إذ قال
في كلمته: طرقت بابي بعد منتصف ليلة عاصفة سيدة عجوز، وقالت: الحقني يا دكتور طفلي
مريض، وفي حالة خطيرة جداً.. أرجوك أن تفعل شيئاً لإنقاذه، فأسرعت غير مبالٍ
بالزوابع العاصفة، والبرد الشديد، والمطر الغزير؛ حيث كان منزلها، فوجدتها تعيش في
غرفة صغيرة، وابنها الطفل في زاوية من الغرفة وهو يئن ويتألم بشدة، فقمت بواجبي
نحو هذا الطفل المريض، وبعدها فوجئت بالأم تعطيني كيساً صغيراً فيه نقود، فرفضت أن
آخذ الكيس، ورددته لها بلطف معتذراً عن نوال أجري، وتعهدت الطفل حتى شفاه الله.
ومضى نقيب الأطباء إلى القول: هذه هي مهنة الطب والطبيب، إنها أقرب المهن إلى
الرحمة، بل ومن أقرب المهن إلى الله.. وما كاد ينهي نقيب الأطباء كلامه حتى قفز
رئيس الوزراء من مقعده واتجه إلى منصة الخطابة قائلاً: «اسمح لي يا سيدي النقيب أن
أقبل يدك.. منذ عشرين عاما وأنا أبحث عنك.. فأنا ذلك الطفل الذي ذكرته في حديثك
الآن.. آه فلتسعد أمي الآن، وتهنأ فقد كانت وصيتها الوحيدة لي، هي أن أعثر عليك
لأكافئك بأمر ما أحسنت به علينا في فقرنا». أما الطفل الفقير الذي أصبح رئيس وزراء
إنجلترا فإنه لويد جورج. لا بد أن نحصد ما زرعناه، ولو بعد حين، خيراً كان أم
شراً، وليعطينا الحق تبارك وتعالى أن نصنع الرحمة والخير طوال أيام حياتنا. فكر في
الخير، يتدفق الخير إليك، يقول جوزيف ميرفي: «أنت رهينة ما تفكر فيه طوال اليوم».
وصدق الله العظيم في قرآنه: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان» (الرحمن: آية 60). وقال
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح
فليفعل»، وقال أيضاً: «كل معروف صدقة» رواه البخاري. وفي اللقاء القادم بإذن الله
تعالى نكمل، بارك الله لكم جميعاً.
خبير تنمية بشرية